فصل: فصل: في الاستثناء في الإيمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ في الاستثناء في الإيمان

الاستثناء في الإيمان

أن يقول ‏:‏ أنا مؤمن إن شاء الله‏.‏

وقد اختلف الناس فيه على ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ تحريم الاستثناء، وهو قول المرجئة، والجهمية ونحوهم‏.‏

ومأخذ هذا القول‏:‏ أن الإيمان شيء واحد يعلمه الإنسان من نفسه وهو التصديق الذي في القلب، فإذا استثنى فيه كان دليلًا على شكه، ولذلك كانوا يسمون الذين يستثنون في الإيمان ‏"‏شكاكًا ‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ وجوب الاستثناء، وهذا القول له مأخذان‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه فالإنسان إنما يكون مؤمنًا وكافرًا بحسب الموافاة، وهذا شيء مستقبل غير معلوم‏.‏ فلا يجوز الجزم به، وهذا مأخذ كثير من المتأخرين من الكلابية وغيرهم، لكن هذا المأخذ لم يعلم أن أحدًا من السلف علل به وإنما كانوا يعللون بالمأخذ الثاني وهو‏:‏

2‏.‏ 2‏.‏ أن الإيمان المطلق يتضمن فعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات، وهذا لا يجزم به الإنسان من نفسه، ولو جزم لكان قد زكى نفسه وشهد لها بأنه من المتقين الأبرار، وكان ينبغي على هذا أن يشهد لنفسه بأنه من أهل الجنة وهذه لوازم ممتنعة‏.‏

القول الثالث‏:‏ التفصيل فإن كان الاستثناء صادرًا عن شك في وجود أصل الإيمان فهذا محرم، بل كفر، لأن الإيمان جزم والشك ينافيه، وإن كان صادرًا عن خوف تزكية النفس والشهادة لها بتحقيق الإيمان قولًا، وعملًا واعتقادًا فهذا واجب خوفًا من هذا المحذور، وإن كان المقصود من الاستثناء التبرك بذكر المشيئة، أو بيان التعليل وأن ما قام بقلبه من الإيمان بمشيئة الله فهذا جائز‏.‏

والتعليق بالمشيئة على هذا الوجه - أعني بيان التعليل - لا ينافي تحقق المعلق فإنه قد ورد التعليق على هذا الوجه في الأمور المحققة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 27‏]‏‏.‏

وبهذا عرف أنه لا يصح إطلاق الحكم على الاستثناء بل لابد من التفصيل السابق والله أعلم‏.‏ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏

حرر في 8 من ذي القعدة سنة 1380هـ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‏.‏

محمد بن صالح العثيمين

تقريب التدمرية

مجموع فتاوى و رسائل - 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى‏:‏ بالهدى، ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وأئمة الهدى من بعدهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‏.‏

أما بعد‏:‏

فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيّن للناس ما نزل إليهم من ربهم بيانًا كاملًا شاملًا في دقيق أمورهم، وجليلها، وظاهرها، وخفيها حتى علمهم ما يحتاجون إليه في مآكلهم، ومشاربهم، ومناكحهم، وملابسهم، ومساكنهم فعلمهم آداب الأكل، والشرب، والتخلي منهما، وآداب النكاح، واللباس ودخول المنزل، والخروج منه، كما علمهم ما يحتاجون إليه في عبادة الله عز وجل كالطهارة والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وغير ذلك‏.‏

وما يحتاجون إليه في معاملة الخلق من بر الوالدين، وصلة الأرحام وحسن الصحبة والجوار وغير ذلك‏.‏

وعلمهم كيف يتعاملون بينهم في البيع، والشراء، والرهن، والارتهان والتأجير، والاستئجار، والهبة، والاتهاب وغير ذلك‏.‏ حتى قال أبو ذر رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏لقد توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا‏)‏‏.‏

وفي صحيح مسلم عن سلمان رضي الله عنه أنه قيل له‏:‏قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول‏.‏‏.‏‏)‏، وذكر تمام الحديث، هذا فضلًا عن أسس هذه العبادات، والأخلاق والمعاملات، وهو ما يعتقده العباد في إلههم ومعبودهم في ذاته، وأسمائه، وصفاته وأفعاله، وما ينشأ عن ذلك من أحكامه الكونية والشرعية المبنية على بالغ الحكمة، وغاية الرحمة فأخذ عنه ذلك الصحابة معينًا صافيًا نقيًا مبنيًا على التوحيد الكامل المتضمن لركنين أساسيين‏:‏ نفي، وإثبات‏.‏

فأما الإثبات فهو‏:‏ إثبات ما يجب لله تعالى‏:‏ من الربوبية، والألوهية والأسماء والصفات، والأفعال‏.‏

وأما النفي فهو‏:‏ نفي مشاركة غير الله تعالى‏:‏ لله فيما يجب له‏.‏

ومضى عليه التابعون لهم بإحسان ممن أدركوا زمن الصحابة أو جاؤوا بعدهم من أئمة الهدى المستحقين لرضا الله عز وجل حيث يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏]‏‏.‏ ثم خلف خلوف عموا عن الحق أو تعاموا عنه فضلوا، وأضلوا قصورًا أو تقصيرًا، أو عدوانًا وظلمًا، فأحدثوا في دين الله تعالى‏:‏ ما ليس منه في العقيدة، والعبادة، والسلوك، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، أو كذبوها إن أمكنهم ذلك‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ واعلم أن عامة البدع المتعلقة بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين كما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال‏:‏ ‏(‏ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‏)‏ إلى أن قال‏:‏ فلما ذهبت دولة الخلفاء الراشدين، وصار ملكًا ظهر النقص في الأمراء فلا بُدَّ أن يظهر أيضًا في أهل العلم والدين فحدث في آخر خلافة علي رضي الله عنه بدعتا الخوارج والرافضة إذ هي متعلقة بالإمامة والخلافة وتوابع ذلك من الأعمال والأحكام الشرعية‏.‏

وكان ملك معاوية ملكًا ورحمة، فلما ذهب وجاءت إمارة يزيد وجرت فيها فتنة قتل الحسين بالعراق، وفتنة أهل الحرة بالمدينة وحصروا مكة لما قام عبد الله بن الزبير، ثم مات يزيد وتفرقت الأمة‏:‏ ابن الزبير بالحجاز، وبنو الحكم بالشام، ووثب المختاربن أبي عبيد وغيره بالعراق وذلك في أواخر عصر الصحابة وقد بقي فيهم مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري وغيرهم حدثت بدعة القدرية والمرجئة، فردها بقايا الصحابة‏.‏‏.‏‏.‏ مع ما كانوا يردونه هم وغيرهم من بدعة الخوارج والروافض‏.‏

وعامة ما كانت القدرية إذ ذاك يتكلمون فيه أعمال العباد، كما يتكلم فيها المرجئة فصار كلامهم في الطاعة والمعصية، والمؤمن والفاسق، ونحو ذلك من مسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد، ولم يتكلموا بعد في ربهم، ولا في صفاته إلا في أواخر عصر صغار التابعين من حين أواخر الدولة الأموية حين شرع القرن الثالث تابعو التابعين ينقرض أكثرهم‏.‏

فإن الاعتبار بالقرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه‏.‏ وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل‏.‏ وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك‏.‏ وجمهور تابعي التابعين في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية وصار في ولاة الأمور كثير من الأعاجم وخرج كثير من الأمور عن ولاية العرب وعُرِّبت بعض الكتب العجمية من كتب الفرس، والهند، والروم وظهر ما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف ولا يستحلف‏)‏‏.‏

حدث ثلاثة أشياء‏:‏ الرأي، والكلام، والتصوّف‏.‏

وحدث التجهم وهو نفي الصفات وبإزائه التمثيل إلى أن قال‏:‏ فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها ومعرفة الدين وأصله، وأصل ما تولد فيه من أعظم العلوم نفعًا إذ المرء مالم يحط علمًا بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حسكة اهـ ‏[‏‏]‏ ‏(‏1‏)‏‏.‏

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى‏:‏ بدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة فأنكرها من كان منهم حيًا كعبد الله بن عمر، وابن عباس وأمثالهما رضي الله عنهم ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة فتكلم فيها كبار التابعين الذين أدركوها، ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين واستفحل أمرها واستطار شرها في زمن الأئمة كالإمام أحمد وذويه، ثم حدثت بعد ذلك بدعة الحلول وظهر أمرها في زمن الحسين الحلاج، وكلما أظهر الشيطان بدعة من هذه البدع وغيرها أقام الله لها من حزبه وجنده من يردها ويحذر المسلمين منها نصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله ولأهل الإسلام ا هـ ‏[‏‏]‏ ‏(‏2‏)‏‏.‏

وقال ابن حجر رحمه الله في شرح البخاري‏:‏ فمما حدث تدوين الحديث، ثم تفسير القرآن، ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة من الرأي المحض، ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب‏.‏

فأما الأول فأنكره عمر وأبو موسى وطائفة ورخص فيه الأكثرون‏.‏

وأما الثاني‏:‏ فأنكره جماعة من التابعين كالشعبي‏.‏

وأما الثالث‏:‏ فأنكره الإمام أحمد وطائفة يسيرة وكذا اشتد إنكار أحمد للذي بعده‏.‏

ومما حدث أيضًا تدوين القول في أصول الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة فبالغ الأول حتى شبه، وبالغ الثاني حتى عطل واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة، وأبي يوسف، والشافعي وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور‏.‏ وسببه أنهم تكلموا فيما سكت عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وثبت عن مالك أنه لم يكن في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر، وعمر شيء من الأهواء يعني بدع الخوارج، والروافض، والقدرية، وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلًا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو مستكرهًا، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف وإن لم يكن له منه بد فليكتف منه بقدر الحاجة ويجعل الأول المقصود بالأصالة‏.‏ ا هـ‏.‏

ولما كان من حكمة الله البالغة أن يجعل للحق معارضين يتبين بمعارضتهم صواب الحق وظهوره على الباطل فإن خالص الذهب لا يظهر إلا بعرضه على النار، قيض الله جل وعلا بقدرته التامة ولطفه الواسع وقهره الغالب من يدحض حجج هؤلاء المعارضين ويبين زيف شبههم وأنها كما قيل‏:‏

حجج تهافت كالزجاج تخالها ** حقًّا وكل كاسر مكسور

وقال الإمام أحمد رحمه الله في خطبة كتاب ‏"‏الرد على الجهمية‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم فنعود بالله من فتن المضلين‏.‏ اهـ ‏[‏‏]‏‏.‏

وكان من جملة من قيضهم الله تعالى‏:‏ لنصرة دينه والذب عنه باللسان والبنان والسنان شيخ الإسلام‏:‏ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية المولود في حران يوم الاثنين العاشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، المتوفى محبوسًا ظلمًا في قلعة دمشق ليلة الاثنين الموافق العشرين من شهر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وصلي عليه في الجامع الأموي بعد صلاة الظهر ولم يتم دفنه لكثرة الزحام إلا قبل العصر بيسير، رحمه الله تعالى‏:‏ رحمة واسعة، وجمعنا به مع من أنعم الله عليهم في جنات النعيم‏.‏

ولقد كان له رحمه الله مصنفات كثيرة في مجادلة أهل البدع ومجالدة أفكارهم ما بين مطولة ومتوسطة وقليلة وحصل بذلك نفع كبير أشار ابن القيم رحمه الله إلى شيء منها في النونية حيث قال‏:‏

وإذا أردت ترى مصارع من خلا من أمة التعطيل والكفران

إلى أن قال‏:‏

فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة ** شيخ الوجود العالم الرباني

أعني أبا العباس أحمد ذلك الـ ** بـحر المحيط بسائر الخلجان

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي** ما في الوجود له نظير ثان

وكذاك منهاج له في رده ** قول الروافض شيعة الشيطان

ثم ذكر عدة من كتبه ورسائله وقال‏:‏

هي في الورى مبثوثة معلومة ** تبتاع بالغالي من الأثمان

إلى أن قال‏:‏

وله المقامات الشهيرة في الورى قد قامها لله غير جبان **

نصر الإله ودينه وكتابه** ورسوله بالسيف والبرهان

أبدى فضائحهم وبين جهلهم ** وأرى تناقضهم بكل زمان

إلى أن قال‏:‏

ومن العجائب أنه بسلاحهم ** أرداهم تحت الحضيض الداني

كانت نواصينا بأيديهم فما ** منا لهم إلا أسير عانِ

فغدت نواصيهم بأيدينا فما ** يلقوننا إلا بحبل أمان

وغدت ملوكهم مماليكًا لأنـ ** ـصار الرسول بمنة الرحمن ‏[‏‏]‏

وكان من جملة رسائل الشيخ رحمه الله رسالة‏:‏ ‏"‏تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع‏"‏ المعروفة باسم‏:‏

التدمرية

والظاهر أن هذه الرسالة ضمن أجوبة أجاب بها الشيخ أهل تدمر وكانت هذه الرسالة من أحسن وأجمع ما كتبه في موضوعها على اختصارها ومن أجل ذلك فإني أستعين الله عز وجل في لم شعثها وجمع شملها وتقريب معانيها لقارئها مع زيادة ما تدعو الحاجة إليه وحذف ما يمكن الاستغناء عنه على وجه لا يخل بالمقصود‏.‏ وسميته‏:‏

‏"‏ تقريب التدمرية‏"‏

وأسال الله تعالى‏:‏ أن يجعل عملي خالصًا لوجهه موافقًا لمرضاته نافعًا لعباده إنه جواد كريم‏.‏

بيان سبب تأليف هذه الرسالة

بين المؤلف سبب تأليف هذه الرسالة بقوله‏:‏

أما بعد‏:‏ فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات، وفي الشرع والقدر‏.‏

ثم علل وجوب إجابتهم بأمرين‏:‏

أحدهما‏:‏ مسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين لأنه لابد أن يخطر على القلب في هذين الأصلين ما يحتاج معه إلى بيان الهدى من الضلال، والحق من الباطل‏.‏

الثاني‏:‏ كثرة اضطراب أقوال الناس فيهما، والخوض فيهما بالحق تارة وبالباطل تارات فيلتبس الحق بالباطل على كثير من الناس، ومن ثم احتيج إلى البيان‏.‏

الكلام في التوحيد والصفات

وفي الشرع والقدر

الكلام في التوحيد والصفات من باب الخبر، الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب لأنه خبر عما يجب لله تعالى‏:‏ من التوحيد وكمال الصفات، وعما يستحيل عليه من الشرك والنقص ومماثلة المخلوقات‏.‏

مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏‏.‏ ففي قوله‏:‏ ‏{‏لا إله إلا هو‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏ إثبات التوحيد، وفي قوله ‏:‏ ‏{‏الحي القيوم‏}‏ إثبات كمال الصفات، وفي قوله‏:‏ ‏{‏لا تأخذه سنة ولا نوم‏}‏ نفي النقائص عن الله المتضمن لإثبات الكمالات‏.‏

وأما الكلام في الشرع والقدر فهو من باب الطلب، الدائر بين الأمر والنهي من قبل المتكلم، المقابل بالطاعة أو المعصية من قبل المخاطب، لأن المطلوب إما محبوب لله ورسوله فيكون مأمورًا به، وإما مكروه لله ورسوله فيكون منهيًا عنه‏.‏

مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏]‏ ففي قوله ‏:‏ ‏{‏اعبدوا الله‏}‏ الأمر بعبادة الله، وفي قوله ‏:‏ ‏{‏ولا تشركوا به شيئًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏]‏ النهي عن الإشراك به‏.‏

والفرق بين الخبر والطلب في حقيقتيهما وحكمهما معلوم، فالواجب على العباد إزاء خبر الله ورسوله‏:‏ التصديق والإيمان به على ما أراد الله ورسوله تصديقًا لا تكذيب معه، وإيمانًا لا كفر معه، ويقينًا لا شك معه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالًا بعيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 136‏]‏‏.‏

والواجب على العباد إزاء الطلب‏:‏ امتثاله على الوجه الذي أراد الله ورسوله من غير غلو ولا تقصير، فيقومون بالمأمور ويجتنبون المحظور لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ‏.‏ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ‏.‏ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ‏.‏ ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 20‏:‏ 23‏]‏‏.‏